Skip to main content

التاريخ يكتبه أصحاب الأفكار... بقلم: جميل كتبي



درج القول أن "التاريخ يكتبه المنتصرون.." بين أفراد المجتمع فأصبحت الصورة النمطية هي إما أن يكون نصرك بالسيف أو تكون هزيمتك به، وهذا حصر وإختزال لتاريخ البشرية في العمليات العسكرية فقط دون التطرق للعقول والعلماء والمخترعين الذين ساعدوا في تلك الإنتصارات سواء كانت في حق أو في باطل. ما أود قوله بهذا المقال هو أن هناك نماذج وعقول قامت بكتابة التاريخ وتغييره دون اللجوء للسيف والسلاح، وبعض هؤلاء هم السبب المباشر في نمو العقل الإنساني وإزدهار حضارتنا. فلو أخذنا الإنترنت كمثال معاصر نجد أن تاريخ البشر وتطورهم قد تضاعف مئات المرات بعد طرحه للعامة، ولو تذكرنا في الماضي نيوتن الذي غير العالم بوقوع تفاحة عليه، ولا ننكر أيضا فضل كيبلر، تيكو، داروين، كابيرنكس، إينشتاين، ماكسويل، فاراداي، غالاليو، تريڤيذيك، سميث، داڤينشي، هابل، ناش، هوكينج وووو في تغيير حياتنا وإخراجنا من الظلمات إلى النور. هؤلاء كتبوا وغيروا التاريخ بأفكارهم وعقولهم وحساباتهم دون الحاجة لسيف أو لخنجر.

يقول برنارد رسل "الحرب لا تُظِهر من هو على حق، بل من بقي بعد المعركة..."، هنا يتضح آن المنتصر لم يكن دوما على حق ، فهولاكو دمر العالم بكل بربرية ووحشية وكذلك الڤايكنجز الذين دمروا أوروبا وجابوا البحار فسادا وقتلاً. وحديثا يمكننا مشاهدة النموذج  الشيوعي الذي أثبتت نجاحه رغم فشل مبادئه وقيمه التي تحمل كل اشكال المهانة لقيمة الإنسان، فها هي الصين تتربع على كرسي الصناعة في العالم بواقع ١٩٪ وأطفالها في المصانع يقومون بالإنتاج والعالم يستهلك.  فالعقيدة والمبادئ لديهم مهزوزة ولكن العقل والجسد لا ينام وهذا هو محرك تقدم الدول وخروجها من الفقر والتبعية-رغم سواد الوسيلة-. لذا يمكننا القول مبدأيا أن التاريخ يتم رسم خطوطة العريضة من خلال التفكير والإختراع والإبداع. فكل الإنتصارات الحربية على مر التاريخ كان ورائها مخترع أو عالم فعلى سبيل المثال نجد أن الصينيون إكتشفوا البارود ووسعوا إمبراطوريتهم بسبب إمتلاكهم هذا السلاح الجديد. وفي عصور أقرب من تلك نجد أن الأمريكيين إخترعوا قنبلة الهيدروجين وضربوا هيروشيما وناكازاكي فأنتصروا في الحرب بسبب ذلك السلاح الجديد، وحديثا نشاهد دول الغرب تهيم بطائرات التحكم عن بعد ليضربوا أي موقع حول العالم بدقة متناهية فتتوالى الإنتصارات بسبب هذه الطيارة.

إن التكنولوجيا والإختراع والإبداع هم من يهبوك الحق لكتابة التاريخ بماء من ذهب، وهذا لا يقتضي أنك دوما ستكتب سطور مشرقة ومنيرة في ذلك الكتاب. فكم من مجرم طاغية إستطاع جذب عقول مفكرة وعبقرية فدمر العالم،  فعلى سبيل المثال نجد أن (تشين، لينين، موسيليني، هتلر، بوتين، بوش، بلير، ووو) أشخاص متوسطي الذكاء وبعضهم يعاني من أمراض نفسية، ولكن ستجد خلفهم فريق من العلماء والمخترعين ممن ساعدهم على إنتصار الشر وقضيتهم. يقول المفكر والفيلسوف الأسباني/ جورج سانتيانا "التاريخ عبارة عن حزمة أكاذيب تتعلق بأحداث لم تقع في الأصل، نقلت لنا عبر أشخاص لم يتواجدوا في موقع الحدث...".

 إن "أصحاب الأفكار الإبداعية الجديدة والغريبة هم من كتبوا التاريخ.." وسيظلوا يكتبون التاريخ. لقد قمنا بكتابة التاريخ سابقا "كمسلمين" عندما كنا أمة تُقدِر العلم والبحث والقيم، فالخليفة المأمون شيد بغداد وجعلها جنة الله في الأرض عبر جذبه لأبرز العلماء والمفكرين وتبنى مشروعا صحويا عظيما عندما قام بحملة الترجمة التي نقلت كثيرا من علوم الحضارات للعالم العربي فتفتحت العقول وإزدهرت الدولة ونمت الشعوب. يجدر الذكر هنا أن المأمون كان يأمر بوزن الكتاب ذهبا لمن يأتي بكتاب أو مخطوطة جديدة من خارج بغداد. وهذا دليل على أن تنمية الإنسان تأتي قبل تنمية المكان، فالإستثمار في الإنسان أهم من الإستثمار في الآلة. فالأول قدراته غير محدودة بينما الماكينة قدراتها معدودة.

السؤال المهم: كيف تود أن تكتب تاريخك، بماء الذهب أم بدم القلب؟!!!

Comments

Popular posts from this blog

أمراء مكة المكرمة عبر العصور الإسلامية حتى وقتنا الحاضر

تولى إمارة مكة المكرمة حوالي 220 أميراً على مرّ العصور الإسلامية حتى وقتنا الحاضر ، كان أولهم عتّاب بن أسِيد ( رضي الله عنه ) ، في عهد النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام بعد فتح مكة عام 8 هـ ، وآخرهم الأمير خالد الفيصل عام 1428هـ في عهد الدولة السعودية ، وقد تبعت مكة المكرمة كإمارة في حكمها إدارياً وسياسياً 10 دول ، أولها الدولة الإسلامية التي أسسها النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، واستمرّت إلى عهد سيدنا الحسن بن علي ( رضي الله عنه ) عام 41هـ ، ثم تلتها الدولة الأموية واستمرّت تحكم مكة 91سنة مدة خلافة الأمويين ، ثم تلتها الدولة العباسية ، وهكذا ظلت مكة المكرمة ولاية تابعة للدول الإسلامية المتتابعة حتى عهد الدولة الهاشمية عام 1334هـ حيث أصبحت مكة المكرمة - لأول مرة - العاصمة الرسمية لهذه الدولة ، ثم في العهد السعودي ابتداءً من عام 1343هـ أصبحت مكة المكرمة العاصمة الدينية للدولة السعودية (حفظها الله تعالى ) .. ويمكن استعراض أمراء مكة المكرمة عبر العصور الإسلامية كالتالي : - في العهد النبوي : تولاها أمير واحد هو عتّاب بن أَسِيد القرشي (رضي الله عنه) - من عام 8هـ حتى وفاته

جامعة الملك سعود وسيارة غزال

-نشر المقال بعكاظ٢٠-١-٢٠١١م- قرأت بفرح وسرور خبر توقيع جامعة الملك سعود اتفاقية التعاون المشترك مع الشركة الكورية لصناعة أول سيارة سعودية، حيث تطمح الجامعة لكسر حاجز الخوف من (بعبع) صناعة السيارات في السعودية والعالم العربي. هذه الخطوة في نظري سوف تكون علامة بارزة في تاريخ المملكة وتاريخ جامعة الملك سعود وتاريخ معالي الدكتور عبدالله العثمان خصيصا. ما أود طرحه في هذا المقال هو عدة آراء أو اقتراحات من وجهة نظر علمية بحتة دون الخوض في كل العوامل التي يمكن أن تؤثر على مصير هذا المنتج الوطني الذي سوف يؤثر على سمعة المملكة في العالم سواء  بنجاحه أو فشله ــ لا سمح الله.   لكي ننجح لابد من محاكاة تجربة الناجحين في هذا المجال، ومن أكثر نجاحا من تويوتا في صناعة السيارات في العالم. هذه الشركة التي استطاعت خلال عقود قليلة أن تكون أكبر شركة ربحية في صناعة السيارات في العالم. يعود تاريخ تويوتا إلى 1918م عندما كانت تقوم بصناعة الأنسجة في عهد ساكيتشي تويودا، ثم غيرت مجالها إلى صناعة السيارات في عام 1930م في عهد كيتشيرو تويودا (ابن ساكيتشي) الذي أوصاه والده قبل وفاته بخدمة صناعة السيارات في اليابا

تحقيق التوازن الحياتي

بقلم: د.م/ جميل زهير كتبي حياتنا هي عبارة عن دوائر، بعضها يتقاطع والبعض الآخر يتنافر وهذه سنة الحياة، المهم أن نعرف أي الدوائر يجب التركيز عليها ووضعها كأولوية. ففي هذا المقال سأناقش كيفية تحقيق توازن حياتي بين أهم أربع دوائر في حياة كل شخص وهي: دائرة العمل، دائرة المنزل، دائرة المجتمع، والدائرة الشخصية. فكل دائرة تحمل ثقل معين ومساحة محددة عند كل فرد منا، النبيه والحصيف والذكي هو من يستطيع معرفة أي تلك الدوائر يجب التركيز عليها وبذلك يستطيع رسم وإختيار الحياة التي يريدها فينعم بحياة ناجحة بأبعادها الوظيفية، الإجتماعية، الأسرية، والشخصية. فهناك شخص إختار أن يحوز العمل على ٥٠٪ من وقته وإهتمامه، فقام بتقسيم ال٥٠٪ الأخرى على منزله ٢٠٪ ومجتمعه ١٠٪ وإهتماماته الشخصية ١٠٪. وهناك سيدة غير عاملة قامت بإعطاء ٧٠٪ لدائرة المنزل وقسمت ال٣٠ الباقية على دائرة المجتمع ٢٠٪ والإهتمامات الشخصية ١٠٪. وبذلك لا يمكننا القول بأن هناك تقسيم واحد وصحيح يجب إتباعه، ولكن يمكننا توضيح الهيكل العام لميكانيكا الدوائر ولكل رجل وإمرأة حق صنع العالم الذي يحيط بهم بناءً على رغباتهم ونظرتهم المستقبلية لحياتهم .