Skip to main content

الألماس المزدوج... للتغيير و حل الأزمات | بقلم/ جميل كتبي

سأبدأ مقالي بعبارة مذكورة في الإنجيل تقول "إذا كان القائد أعمى ومن وراءه عمي أيضاً، فأعلم بأن السقوط في الحفر شيء محتوم..." وفي ظني أن أكبر مشاكلنا التنموية تكمن في أسلوب تعاملنا مع الأزمات عبر مر السنون. هذا العجز في التعامل أدى لتفاقم وقع الكوارث على مختلف المناطق وتكرار وقوعها. إن من أكبر ما يعاب على هذه المدرسة من القيادة هو تشابه طريقتها مع طريقة "رجل الإطفاء". بمعنى آخر فإن تعاملهم مع الحدث هو "ردة فعل"  فقط بدل من أن يكون "إستباقي" أو مبادر من قبل وقوع الحدث وجاهز بكل أنواع الخطط.

أود هنا أن أطرح أحد أشهر أساليب القيادة والتغيير والتي يمكن إسقاطها على الأزمات أو عندما نحتاج أن "نغير الطريقة التي نتغير بها". هذا الأنموذج يسمى بالألماس المزدوج والذي يهدف لإيجاد حلول عبر تشخيص الأسباب والأعراض. وهنا رسم توضيحي لهذا النموذج قبل البدء في شرحه



الألماسة الأولى في الأعلى ترمز لعملية التشخيص التي تبدأ بالخطوة ١ الأولى عبر طرح الأسئلة المفتوحة بكل أنواعها حول المشكلة أو الأزمة أو موضوع التغيير، يجب التنويه هنا بأن الصراحة والمكاشفه هم أهم عوامل نجاح هذه الخطوة. لذا لا يمكن في هذه المرحلة إستبعاد أي تعليقات أو إقتراحات أو مشاركات، بل يجب إحترامها جميعها ولكن توضع حسب الترتيب بالأولوية أو الأهمية أو علاقتها و تأثيرها على الحدث. تلي هذه الخطوة الأولى، خطوة ٢ أخرى في عملية التشخيص وهي تقليص القائمة التي كتبت والتركيز على أول وأهم إثنين على رأس القائمة. هنا أقترح إستخدام أحد أساليب تويوتا في التوصل ل"رأس المصيبة" عبر ما يسمى طريقة ال(٥لماذا). حيث أنهم وجدوا أنك لا تحتاج إلا لتسأل نفسك خمس مرات فقط "لماذا" وعند أخر واحدة قم وأبدأ بالتحرك لأنك توصلت لجذر الأزمة.  هنا ننتهي من الألماسة الأولى وننتقل للثانية والتي ترمز إلى مرحلة الحلول

ألماسة الحلول و التي بأسفل الصورة تتطلب من القائد وفريقه قدرة كبيرة على الإبداع والتجديد لمحاولة التوصل لأهم الحلول  وأكثرها فاعلية. نبدأ هنا بالخطوة ٣ الثالثة والتي يقوم فيها الفريق وقائدة بطرح وابتكار كل الحلول الانيقة لحل المشكلة. وهنا تأتي أهمية إستخدام "التفكير الديناميكي" أو ما يعرف لدى الكثير ب"التفكير خارج الصندوق" أو "التفكير الجانبي". يجب الإشارة هنا لعدم حاجتنا لإستيراد أكبر الخبراء لمساعدتنا على إيجاد الحلول، فكل قائد متنور يمكنه إعادة ترتيب البيت من الداخل دون الحاجة إلى هدمه. كما أنه من المهم جدا في مرحلة إيجاد الحلول أن يتخلص الجميع ويتحرر من الأفكار القديمة والتي جار عليها الزمان، فتكرار الحلول الباهتة اللون والطعم لا يعكس قدرة الفريق على الإبداع والتجديد. 

يمكننا تشبية التفكير التقليدي والذي أدى لتأخرنا بالرجل الذي كلما أراد أن يحل مشكلة ذهب للحفرة وقام بالحفر أكثر، وفي النهاية سيجد نفسه قد وصل لل"مياه الجوفية". بينما يمكن تشبية التفكير الديناميكي برجل آخر عرضت عليه المشكلة نفسها فذهب وحفر في أماكن مختلفة حتى يجد ضالته وبذلك تزيد فرص التوصل لحل عملي وإبداعي وجديد لعملية التغيير. الشخص التقليدي دائماً ما يسعى للوصول للإجابة الصحيحة،بينما الشخص المبدع والمجدد تجده بالمقابل يبحث عن الحل والإجابة التي تضيف قيمة عن طريق فتح الأبواب المغلقة، بمعنى أنه مستعد لتنبي أصغر الإحتمالات والتي قد تجني أكبر المنافع مستقبلا. فالقائد ذو التفكير الديناميكي ينظر إلى الباب المهترئ ولا يستبعد أن يكون خلفه كنوز قارون، بينما الشخص التقليدي ينظر إلى نفس الباب فيقوم بحساب تكلفة تصليحه. إذن يمكننا القول بأن أكبر مشاكل تفكيرنا التقليدي أن أصحابه دائما يتجهون في إتجاه واحد، بينما تجد أن التفكير الإبداعي المرن ينصحنا دائما بالإتجاه في جميع الإتجاهات.

حين الإنتهاء من المرحلة الثالثة والمخصصة لطرح وإبتكار الحلول، تأتي المرحلة الرابعة ٤ والأخير والتي تتمثل في تقليص عدد الحلول المبتكرة. فالإنسان ذو التفكير التقليدي يصل لقراره عبر تقليص الخيارات المتاحة،بينما المبدع ذو التفكير الديناميكي يتخذ القرار بعد قيامه بطرح خيارات وحلول جديدة ذات قيمة مضافة. لذا فالقرار النهائي حول ماهية الحل يجب أن تتم في هذه المرحلة ال٤ والأخيرة، وبعد ذلك تبدأ عملية التنفيذ وتحويل الكلام إلى أفعال وإنجاز.

الحقيقة أن العيب يكمن هنا في عدم معرفة المسؤول التعامل مع الألماسة الأولى أو جهله بوجودها، بمعنى أن عملية التشخيص مشلولة وقد تكون معدومة، ذلك أدى إلى عدم معرفتهم لنصف الصورة وقد يكون النصف الأهم لأن العلاج السليم يتطلب تشخيص دقيق وصادق وشفاف. ولا ننسى أن فقدان الشفافية والصراحة والمكاشفة جعل كثيرا من عمليات "التشخيص" تبوء بالفشل لأن الأصابع موجهة للأماكن الخطأ أو لعدم جدية المحاولة من الأساس. المصيبة الحقيقة نجدها أيضاً في خراب الألماسة الثانية والتي ترمز للحلول، فالكل أصبح مجمع الآن أن حلولنا -لو وجدت- فهي أقل مستوى مقارنة بجيراننا في الخليج. ولو أردنا الخوض أكثر فسنجد أن الفساد قد أكل عظام المشاريع والحلول الحكومية مما جعل الألماسة ال٢ ترجع لأصلها وتصبح فحماً لأنها لا تضيف أي قيمة..

أعتقد أحبابي بأن المسألة تتلخص في أن الإخلاص والتفاني والجدية تجاه عملية التغيير والتعامل مع الأزمات والكوارث هو ما يحدد نجاح أو فشل المهمة. يقول غاندي "يجب أن نكون التغيير الذي نحب أن نراه يحدث..."


Comments

Popular posts from this blog

أمراء مكة المكرمة عبر العصور الإسلامية حتى وقتنا الحاضر

تولى إمارة مكة المكرمة حوالي 220 أميراً على مرّ العصور الإسلامية حتى وقتنا الحاضر ، كان أولهم عتّاب بن أسِيد ( رضي الله عنه ) ، في عهد النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام بعد فتح مكة عام 8 هـ ، وآخرهم الأمير خالد الفيصل عام 1428هـ في عهد الدولة السعودية ، وقد تبعت مكة المكرمة كإمارة في حكمها إدارياً وسياسياً 10 دول ، أولها الدولة الإسلامية التي أسسها النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، واستمرّت إلى عهد سيدنا الحسن بن علي ( رضي الله عنه ) عام 41هـ ، ثم تلتها الدولة الأموية واستمرّت تحكم مكة 91سنة مدة خلافة الأمويين ، ثم تلتها الدولة العباسية ، وهكذا ظلت مكة المكرمة ولاية تابعة للدول الإسلامية المتتابعة حتى عهد الدولة الهاشمية عام 1334هـ حيث أصبحت مكة المكرمة - لأول مرة - العاصمة الرسمية لهذه الدولة ، ثم في العهد السعودي ابتداءً من عام 1343هـ أصبحت مكة المكرمة العاصمة الدينية للدولة السعودية (حفظها الله تعالى ) .. ويمكن استعراض أمراء مكة المكرمة عبر العصور الإسلامية كالتالي : - في العهد النبوي : تولاها أمير واحد هو عتّاب بن أَسِيد القرشي (رضي الله عنه) - من عام 8هـ حتى وفاته

تحقيق التوازن الحياتي

بقلم: د.م/ جميل زهير كتبي حياتنا هي عبارة عن دوائر، بعضها يتقاطع والبعض الآخر يتنافر وهذه سنة الحياة، المهم أن نعرف أي الدوائر يجب التركيز عليها ووضعها كأولوية. ففي هذا المقال سأناقش كيفية تحقيق توازن حياتي بين أهم أربع دوائر في حياة كل شخص وهي: دائرة العمل، دائرة المنزل، دائرة المجتمع، والدائرة الشخصية. فكل دائرة تحمل ثقل معين ومساحة محددة عند كل فرد منا، النبيه والحصيف والذكي هو من يستطيع معرفة أي تلك الدوائر يجب التركيز عليها وبذلك يستطيع رسم وإختيار الحياة التي يريدها فينعم بحياة ناجحة بأبعادها الوظيفية، الإجتماعية، الأسرية، والشخصية. فهناك شخص إختار أن يحوز العمل على ٥٠٪ من وقته وإهتمامه، فقام بتقسيم ال٥٠٪ الأخرى على منزله ٢٠٪ ومجتمعه ١٠٪ وإهتماماته الشخصية ١٠٪. وهناك سيدة غير عاملة قامت بإعطاء ٧٠٪ لدائرة المنزل وقسمت ال٣٠ الباقية على دائرة المجتمع ٢٠٪ والإهتمامات الشخصية ١٠٪. وبذلك لا يمكننا القول بأن هناك تقسيم واحد وصحيح يجب إتباعه، ولكن يمكننا توضيح الهيكل العام لميكانيكا الدوائر ولكل رجل وإمرأة حق صنع العالم الذي يحيط بهم بناءً على رغباتهم ونظرتهم المستقبلية لحياتهم .

جامعة الملك سعود وسيارة غزال

-نشر المقال بعكاظ٢٠-١-٢٠١١م- قرأت بفرح وسرور خبر توقيع جامعة الملك سعود اتفاقية التعاون المشترك مع الشركة الكورية لصناعة أول سيارة سعودية، حيث تطمح الجامعة لكسر حاجز الخوف من (بعبع) صناعة السيارات في السعودية والعالم العربي. هذه الخطوة في نظري سوف تكون علامة بارزة في تاريخ المملكة وتاريخ جامعة الملك سعود وتاريخ معالي الدكتور عبدالله العثمان خصيصا. ما أود طرحه في هذا المقال هو عدة آراء أو اقتراحات من وجهة نظر علمية بحتة دون الخوض في كل العوامل التي يمكن أن تؤثر على مصير هذا المنتج الوطني الذي سوف يؤثر على سمعة المملكة في العالم سواء  بنجاحه أو فشله ــ لا سمح الله.   لكي ننجح لابد من محاكاة تجربة الناجحين في هذا المجال، ومن أكثر نجاحا من تويوتا في صناعة السيارات في العالم. هذه الشركة التي استطاعت خلال عقود قليلة أن تكون أكبر شركة ربحية في صناعة السيارات في العالم. يعود تاريخ تويوتا إلى 1918م عندما كانت تقوم بصناعة الأنسجة في عهد ساكيتشي تويودا، ثم غيرت مجالها إلى صناعة السيارات في عام 1930م في عهد كيتشيرو تويودا (ابن ساكيتشي) الذي أوصاه والده قبل وفاته بخدمة صناعة السيارات في اليابا