Skip to main content

جامعة الملك سعود وسيارة غزال

-نشر المقال بعكاظ٢٠-١-٢٠١١م-

قرأت بفرح وسرور خبر توقيع جامعة الملك سعود اتفاقية التعاون المشترك مع الشركة الكورية لصناعة أول سيارة سعودية، حيث تطمح الجامعة لكسر حاجز الخوف من (بعبع) صناعة السيارات في السعودية والعالم العربي. هذه الخطوة في نظري سوف تكون علامة بارزة في تاريخ المملكة وتاريخ جامعة الملك سعود وتاريخ معالي الدكتور عبدالله العثمان خصيصا. ما أود طرحه في هذا المقال هو عدة آراء أو اقتراحات من وجهة نظر علمية بحتة دون الخوض في كل العوامل التي يمكن أن تؤثر على مصير هذا المنتج الوطني الذي سوف يؤثر على سمعة المملكة في العالم سواء بنجاحه أو فشله ــ لا سمح الله.  

لكي ننجح لابد من محاكاة تجربة الناجحين في هذا المجال، ومن أكثر نجاحا من تويوتا في صناعة السيارات في العالم. هذه الشركة التي استطاعت خلال عقود قليلة أن تكون أكبر شركة ربحية في صناعة السيارات في العالم. يعود تاريخ تويوتا إلى 1918م عندما كانت تقوم بصناعة الأنسجة في عهد ساكيتشي تويودا، ثم غيرت مجالها إلى صناعة السيارات في عام 1930م في عهد كيتشيرو تويودا (ابن ساكيتشي) الذي أوصاه والده قبل وفاته بخدمة صناعة السيارات في اليابان. أصبح اسم الشركة تويوتا في عهده وقامت الشركة بصناعة أول سيارة (AA) رغم كل المصاعب المالية والسياسية بسبب الحرب. 

هذه المجموعة من الرواد لم تقم فقط بصناعة سيارات ولكن قامت بخلق ثقافة صناعية جعلت الغرب ينظرون إليها بعين الإعجاب والتقدير مما جعلهم يطلبون منهم المساعدة رغم وجود شركات مثل فورد وجي أم سي. 
يقوم نظام تويوتا للإنتاج أو ما يسمى بالتصنيع الرشيق على عدة أسس ومبادئ تهدف لتقليل ثم محو كل أنواع (الإهدار) بالعمليات مثل فائض الإنتاج، المخزون الزائد، العمليات غير الضرورية، الانتظار غير المبرر، الحركة المفرطة غير الضرورية، النقل غير المجدي، الإنتاج المعاب وغير الصالح. تتبلور استراتيجية العمليات الرشيقة في خمس نقاط أساسية:


١- معرفة ما يخلق قيمة للمنتج من وجهة نظر المستهلك وليس من وجهة نظر الشركة، وذلك عن طريق سماع واستيعاب وفهم صوت المستهلك من خلال معرفة طلباته واحتياجاته في المنتج وبعد ذلك قياس معيار رضا المستهلك عن المنتج وهل حققت الشركة توقعاته.
٢- تحديد كل العمليات التي لا تضيف قيمة للمستهلك في كل مراحل سلسلة التوريد ابتداء من الموردين وانتهاء بالمستهلك. ويمكن معرفه ذلك عن طريق استخدام تكنيك خريطة الصورة الكبيرة .
٣- جعل كل العمليات التي تضيف قيمة للمستهلك تنساب بحرية وفاعلية وسلاسة من غير أن تتعرض لأي نوع من التعثر أو التوقف.
٤- عدم تصنيع أي منتج بدون وجود طلب عليه، بمعنى آخر أن لا تقوم الشركة بالإنتاج إلى أن يأتيها طلب حقيقي بالشراء من المستهلك. أي أن تقوم بجذب وسحب الطلب من السوق بعكس ما يحصل هذه الأيام من دفع للمنتج عن طريق الشركة للمستهلك. فعلى جامعة الملك سعود فهم هذه النقطة المهمة. 
٥- السعي وراء المثالية عن طريق الاستمرار في إعادة هذه المبادئ حتى يتم التخلص من كل طبقات الإهدار والفواقد. فهي عملية تطوير مستمرة للأبد لغرض الوصول لعمليات فعالة تخرج المنتج بأقل التكاليف وأعلى جودة ممكنة.


هذه الحلقة من الخطوات والمبادئ يتم بعد ذلك ترجمتها وتحويلها إلى أدوات وعمليات هندسية صناعية لكي تطبق على أرض الواقع. 


الصناعة هي التي ترتقي بالدولة وتجعلها تنتقل للعالم الأول، وليس مجرد الكلام والتصريحات الصحافية التي لا تضيف قيمة وليس لها فائدة ملموسة. السر في نظري هو العمل في الخفاء بكل ما أتاك الله من قوة وهذا ما وجدته ولمسته في الدكتور عبدالله العثمان الذي لا يظهر للملأ إلا عندما تظهر النتائج النهائية الإيجابية. فإنني أقف إجلالا وتقديرا لهذا الرجل الفذ الذي يعرف من أين تأكل الكتف. فهو الرجل المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب.


الخطوة القادمة هي الأهم في وجهة نظري لتحديد مصير هذا المشروع الوطني. المهمة صعبة ولن تنجح وتزدهر إلا بتعاون الكل من الكبير للصغير. ما أتمناه هنا هو الدعم الكامل وغير المحدود لهذا المشروع من حكومة المملكة. لذلك أتمنى تحقيق ودعم هذه الصناعة بالتالي:
١- شراء باقي الحصة من هذه الشركة وجعله استثمارا وطنيا يستعمل عائده في بناء مصانع أخرى، كما يمكن أن يستفاد منه في تأسيس كليات هندسة جديدة في جميع مدن المملكة، بالإضافة إلى تأسيس كليات ومعاهد تدريب صناعية متخصصة في مجال صناعة السيارات.
٢- التعميم على جميع الوزارات بأن تدعم المشروع بشراء سياراتها من هذا المنتج الوطني لتحفيز وضمان بقاء واستمرار التصنيع، فإذا لم نحتضن ونتبن منتجنا الوطني فلن يقوم الغير بذلك.
٣- إلزام الشركات الخاصة الكبرى والوسطى بشراء نسبة معينة من سياراتها من هذا المصنع، وتعتبر هذه الخطوة من مساهمات الشركات في المهمة الاجتماعية تجاه الشعب السعودي الحبيب. فتخيل كم من عاطل سوف يعمل في هذا المشروع، وكم من بيت سوف يفتح ويعيش بسبب هذه السيارة.
٤- أن تدعم الدولة سعر المواد الأولية المطلوبة لصناعة هذه السيارة.
٥- تسهيل استقدام وجلب الكفاءات الأجنبية والمستشارين في أولى المراحل لكي يساعدونا بخبرتهم لقيام المصنع وتشغيله.
٦- تأسيس مركز أبحاث عالمي تابع للشركة معني بالبحث في الاستراتيجيات الصناعية وتطويرها، بالإضافة إلى إصدار مجلة علمية متخصصة في هذا المجال الحيوي والمهم.


في الختام أود القول بأن دعم المواطن لهذا المصنع هو واجب وطني. كما أود التنبيه بأن أول السيارات التي سوف تخرج من هذا المصنع لن تكون رولز رويز أو فيراري، ما أعنيه أنه لابد أن نصبر ونصبر ونصبر حتى يصل المنتج لطموحات المستهلك ويخرج في صورته النهائية المطلوبة ويستطيع أن ينافس باقي السيارات من فئته محليا ثم دوليا.

Comments

Popular posts from this blog

هل الأرض مركز الكون؟ | بقلم/ جميل كتبي

منذ قديم الأزل والإنسان ينظر للسماء ويسأل نفسه أسئلة كثيرة حول الوجود والفضاء والنجوم، حيث كان الإنسان البسيط يستهدي بالنجوم والقمر في ترحاله والشمس لمعرفة المواسم وحصد المحاصيل. كما كان أوائل البشر يعبدون الشمس لأنهم يعرفون أن حياتهم وغذائهم مرتبط بهذه الكرة المشتعلة، فأصبح الإنسان ماهرا في تتبع النجوم ورصدها ومعرفة الأبراج في السماء. تطور عقل البشر وتقدمت الحضارات وبدأت تتطور نوعية الأسئلة حول الكون والتي كان أهمها: هل الأرض مركز هذا الكون، أم أن الشمس هي المركز ونحن نطوف حولها؟. هنا تبدأ قصة الإجابة على هذا السؤال الكبير الذي كان السبب في تحول جذري في تفكيرنا وحياتنا وفهمنا للوجود. كانت الكنيسة في روما متمثلة ببابا الڤاتيكان هي الحاكمة والمؤثرة منذ ألفيّ عام بسبب نفوذهم الديني وسلطتهم العسكرية، وكانت هذه الكنيسة تؤمن بنظرية فلاسفة اليونانيين التي طرحوها في القرن ال٤ الميلادي والتي تؤكد أن الأرض هي مركز الكون. وأضيف على النظرية طابعاً بدينياً بقول الرومان أن الإنجيل مذكور فيه أن الله أصطفانا وإختارنا لنسكن هذه الأرض، ولأننا مركز إهتمام الرب وعنايته فلابد أن تكون الأرض في مركز ا...

ترجمة (إمام الحرمين) فضيلة الشيخ/ محمد نور بن إبراهيم بن محمد عبدالله كتبي

فضيلة الشيخ/ محمد نور بن إبراهيم بن محمد عبدالله كتبي 1327 ـــ 1402 هـ*   الولادة: ولد محمد نور كتبي في مدينة مكة المكرمة، بحارة جبل هندي في دار والده الشيخ إبراهيم. وذلك في عام 1327هـ. عائلته: عائلة "آل كتبي" من العوائل العريقة والتي أشتهرت بالعلم والدين. ومعذرة عندما أتحدث عن عائلتي فلن أكون مبالغاً، كما أنه ليس من حقي أن أهضم ذكرهم. فالشيخ محمد نور كتبي – يرحمه الله – هو أخو سيدي الوالد محمد جميل كتبي. وجدي الشيخ العالم الفاضل / إبراهيم محمد عبدالله كتبي فهو من مواليد الهند في زمن الاستعمار الانجليزي وقبل تقسيمها إلى باكستان والهند وسيلان. وولد – يرحمه الله – في بلد (سلطان بور) وذلك في شهر صفر من عام 1275هـ. التابعة في الوقت الحاضر للحكومة الهندية. ولوجود القلاقل والمصادمات بين المسلمين والهنود وعدم استقرار الأمن آنذاك. فقد سمح له والده (عبدالله) بالسفر من الهند لطلب العلم والمعرفة وأن ينهل من العلوم واللغة العربية، ودراسة أصول الفقه للتمشي بالكتاب والسنة من البلدان العربية. وصفه: الشيخ محمد نور كتبي – يرحمه الله – متوسط القامة، أسمر اللون، واسع العينين، نحيل الجس...