Skip to main content

تحقيق التوازن الحياتي


بقلم: د.م/ جميل زهير كتبي

حياتنا هي عبارة عن دوائر، بعضها يتقاطع والبعض الآخر يتنافر وهذه سنة الحياة، المهم أن نعرف أي الدوائر يجب التركيز عليها ووضعها كأولوية. ففي هذا المقال سأناقش كيفية تحقيق توازن حياتي بين أهم أربع دوائر في حياة كل شخص وهي: دائرة العمل، دائرة المنزل، دائرة المجتمع، والدائرة الشخصية. فكل دائرة تحمل ثقل معين ومساحة محددة عند كل فرد منا، النبيه والحصيف والذكي هو من يستطيع معرفة أي تلك الدوائر يجب التركيز عليها وبذلك يستطيع رسم وإختيار الحياة التي يريدها فينعم بحياة ناجحة بأبعادها الوظيفية، الإجتماعية، الأسرية، والشخصية. فهناك شخص إختار أن يحوز العمل على ٥٠٪ من وقته وإهتمامه، فقام بتقسيم ال٥٠٪ الأخرى على منزله ٢٠٪ ومجتمعه ١٠٪ وإهتماماته الشخصية ١٠٪. وهناك سيدة غير عاملة قامت بإعطاء ٧٠٪ لدائرة المنزل وقسمت ال٣٠ الباقية على دائرة المجتمع ٢٠٪ والإهتمامات الشخصية ١٠٪. وبذلك لا يمكننا القول بأن هناك تقسيم واحد وصحيح يجب إتباعه، ولكن يمكننا توضيح الهيكل العام لميكانيكا الدوائر ولكل رجل وإمرأة حق صنع العالم الذي يحيط بهم بناءً على رغباتهم ونظرتهم المستقبلية لحياتهم.
يجب الإتفاق أولاً أنه لا يوجد شخص يستطيع إعطاء ١٠٠٪ لكل دائرة من تلك الدوائر الأربعة، حتى مع وجود التكنولوجيا والتقنية وكل أنواع المساعدين الشخصيين. ولكن يوجد أشخاص أستطاعوا بذكاء أن يحققوا توازن وتناغم وسلاسة بين تلك الدوائر فعاشوا حياة جميلة ومريحة كانت بمثابة منصة داعمة ومحفزة لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم بكل فاعلية. فحجم الدائرة يعتمد على أهميتها لديك، فكلما كبرت الأهمية كلما أزداد حجم الدائرة. ففي الماضي كان حجم دائرة العمل بالنسبة للنساء صغيرة جدا أو معدومة بسبب محدودية فرص العمل والأمية وثقافة المجتمع السلبية تجاه النساء في ذلك الزمان، ولكن هذه الأيام نجد أن الكثير من السيدات قد دخلن سوق العمل بكل قوة فأصبحت دائرة العمل بالنسبة لهن كبيرة وذات ثقل لا يستهان به. فأصبحت دائرتهم المنزلية، ،المجتمعية، والشخصية أصغر مما كانت عليه في الماضي. وهكذا وجب عليهن خلق نوع من التوازن والتناغم في حياتهم الجديدة.
وكي يتم خلق هذا التوازن يجب أن لا تعيش هذه السيدة تحت ضغوطات تؤدي لصعوبة إنجاح الكثير من المهام داخل مختلف الدوائر، فوجود تعارض وإختلاف بين مبادئ وقيم وأخلاق السيدة وبين ثقافة وأخلاقيات الشركة أو المؤسسة التي تعمل بها سيؤدي لإنهيار هذه المنظومة وبذلك تصبح حياتها جحيم يصعب الإستمرار فيه. فصورة وسمعة الشركة التي تعمل بها السيدة ستأثر سلبا أو إيجابا على صورة تلك السيدة أمام أسرتها ومجتمعها وضميرها. لذلك لابد من إختيار مكان العمل بكل حرص ودقة كي لا تقع السيدة في هذه المشكلة. فعلى سبيل المثال هناك شركة محلية من أكثر ما تعرف به هو مشاركتها الفعالة في المسؤولية الإجتماعية، فأنعكس ذلك على صورة وسمعة موظفيها رجالاً ونساءً فباتت بيئة جاذبة للكفاءات الوطنية. فنستنتج الآن أن التوافق في المبادئ والأخلاقيات سيؤدي لتناغم مختلف الدوائر، والمحصلة النهائية هي إرتفاع إنتاجية وكفاءة الموظفة داخل المؤسسة وراحتها النفسية خارجها بينما نجد أن عدم التوافق هو الكارثة بعينها.
إن دخول المرأة لسوق العمل وخصوصا في المجتمعات العربية والخليجية بالأخص أدى لتقلص مسؤولياتها داخل منزلها مما أدى لإزدياد مسؤوليات زوجها داخل المنزل فأصبح يقوم بمهامها في غيابها وبذلك أزدادت قوة علاقته بأبنائه. هذا التحول هو المسار الطبيعي الذي تمر به كل المجتمعات حول العالم. فعلى سبيل المثال نجد أن فنلندا تعطي الأب الحق في أخذ إجازة أبوة مدفوعة مدتها ١٨٥ يوم عمل تبدأ حين تنتهي زوجته من إجازة الأمومة. أما في السويد العام الماضي فقد قام أكثر من ٩٠٪ من الرجال (٣٤٠ ألف سويدي) بأخذ إجازة الأبوة ليعتني بطفله الرضيع بينما عادت زوجته إلى عملها بعد إنتهاء إجازة الأمومة حيث وصل مجموع إجازات الرجال إلى ١٢ مليون يوما في عام ٢٠١٤م.
هذه القوانين والتشريعات تساهم في خلق تناغم بين مختلف الدوائر عند الجنسين، فكل فرد في الأسرة يجب أن يسعى لتحقيق طموحاته وأهدافه، وهذا لا يتحقق إلى عبر تقديم بعض التنازلات من جميع أفراد الأسرة وبذلك تسير السفينة بكل سلاسة وأريحية. وفي المقابل نجد أن هناك بعض الأزواج ممن لا يملك أي إستعداد لتقديم أي تنازلات من أجل أن تتطور وتتقدم زوجته وظيفياً، فتجده غير مقتنع بدورها داخل عملها ولذلك لا يعير دائرة عملها أي إهتمام ويعتبرها دائرة ثانوية. في هذه الحالة يجب على الزوجة أن تقوم بشرح أهمية دورها الوظيفي وأبعاده الإيجابية على أسرتها ومجتمعها، فبيان هذا الدور المهم سيؤدي لإقتناع زوجها بعملها وأهميته بالنسبة لها ولأسرته وهكذا يتم تشكيل تناغم بين دائرة عملها ودائرة منزلها. هذا الأسلوب يتطلب بعض الوقت والصبر للوصول لنتائج إيجابية من ناحية الزوج فيصبح مساهما في نجاحات زوجته وإرتقاءها وظيفيا ومجتمعيا.
أختم مقالي بالقول بأن التغيير يحتاج إلى إرادة، عزيمة، إصرار، وثبات، وبدون ذلك لن تستطيع المرأة أو الرجل رسم الحياة التي يتمنوها ويطمحون إليها. هذا التغيير يجب أن يكون دائم وعبر خطوات صغيرة ودورية، فالخطوات الكبيرة والمتقطعة سيكون لها تأثير سلبي وكبير على إحدى الدوائر الأربعة أو معظمها. كما أن إقناع كل من له علاقة بقرارك أو سيتأثر بقراراتك هو مفتاح هذا التغير، فبدون إقناع وإقتناع تام سيكون هناك معارضة قوية وشرسة ستؤدي لتدمير الأحلام أو تأخيرها لزمن طويل. ولا ننسى أن لكل فعل ردة فعل مساوية لها في المقدار ومعاكسة لها في الإتجاه وهذه إحدى قوانين الكون التي لا نقوى على تغييرها، ولكن يمكننا التحكم في شراع السفينه لنجاري هذه الرياح العاتية فنصل لهدفنا ووجهتنا بكل أمان. يقول الأمريكي د/ واين راير: عندما تغير نظرتك للأشياء، سيتغير كل شيء من حولك..

Comments

Popular posts from this blog

هل الأرض مركز الكون؟ | بقلم/ جميل كتبي

منذ قديم الأزل والإنسان ينظر للسماء ويسأل نفسه أسئلة كثيرة حول الوجود والفضاء والنجوم، حيث كان الإنسان البسيط يستهدي بالنجوم والقمر في ترحاله والشمس لمعرفة المواسم وحصد المحاصيل. كما كان أوائل البشر يعبدون الشمس لأنهم يعرفون أن حياتهم وغذائهم مرتبط بهذه الكرة المشتعلة، فأصبح الإنسان ماهرا في تتبع النجوم ورصدها ومعرفة الأبراج في السماء. تطور عقل البشر وتقدمت الحضارات وبدأت تتطور نوعية الأسئلة حول الكون والتي كان أهمها: هل الأرض مركز هذا الكون، أم أن الشمس هي المركز ونحن نطوف حولها؟. هنا تبدأ قصة الإجابة على هذا السؤال الكبير الذي كان السبب في تحول جذري في تفكيرنا وحياتنا وفهمنا للوجود. كانت الكنيسة في روما متمثلة ببابا الڤاتيكان هي الحاكمة والمؤثرة منذ ألفيّ عام بسبب نفوذهم الديني وسلطتهم العسكرية، وكانت هذه الكنيسة تؤمن بنظرية فلاسفة اليونانيين التي طرحوها في القرن ال٤ الميلادي والتي تؤكد أن الأرض هي مركز الكون. وأضيف على النظرية طابعاً بدينياً بقول الرومان أن الإنجيل مذكور فيه أن الله أصطفانا وإختارنا لنسكن هذه الأرض، ولأننا مركز إهتمام الرب وعنايته فلابد أن تكون الأرض في مركز ا...

جامعة الملك سعود وسيارة غزال

-نشر المقال بعكاظ٢٠-١-٢٠١١م- قرأت بفرح وسرور خبر توقيع جامعة الملك سعود اتفاقية التعاون المشترك مع الشركة الكورية لصناعة أول سيارة سعودية، حيث تطمح الجامعة لكسر حاجز الخوف من (بعبع) صناعة السيارات في السعودية والعالم العربي. هذه الخطوة في نظري سوف تكون علامة بارزة في تاريخ المملكة وتاريخ جامعة الملك سعود وتاريخ معالي الدكتور عبدالله العثمان خصيصا. ما أود طرحه في هذا المقال هو عدة آراء أو اقتراحات من وجهة نظر علمية بحتة دون الخوض في كل العوامل التي يمكن أن تؤثر على مصير هذا المنتج الوطني الذي سوف يؤثر على سمعة المملكة في العالم سواء  بنجاحه أو فشله ــ لا سمح الله.   لكي ننجح لابد من محاكاة تجربة الناجحين في هذا المجال، ومن أكثر نجاحا من تويوتا في صناعة السيارات في العالم. هذه الشركة التي استطاعت خلال عقود قليلة أن تكون أكبر شركة ربحية في صناعة السيارات في العالم. يعود تاريخ تويوتا إلى 1918م عندما كانت تقوم بصناعة الأنسجة في عهد ساكيتشي تويودا، ثم غيرت مجالها إلى صناعة السيارات في عام 1930م في عهد كيتشيرو تويودا (ابن ساكيتشي) الذي أوصاه والده قبل وفاته بخدمة صناعة السيارات ...

ترجمة (إمام الحرمين) فضيلة الشيخ/ محمد نور بن إبراهيم بن محمد عبدالله كتبي

فضيلة الشيخ/ محمد نور بن إبراهيم بن محمد عبدالله كتبي 1327 ـــ 1402 هـ*   الولادة: ولد محمد نور كتبي في مدينة مكة المكرمة، بحارة جبل هندي في دار والده الشيخ إبراهيم. وذلك في عام 1327هـ. عائلته: عائلة "آل كتبي" من العوائل العريقة والتي أشتهرت بالعلم والدين. ومعذرة عندما أتحدث عن عائلتي فلن أكون مبالغاً، كما أنه ليس من حقي أن أهضم ذكرهم. فالشيخ محمد نور كتبي – يرحمه الله – هو أخو سيدي الوالد محمد جميل كتبي. وجدي الشيخ العالم الفاضل / إبراهيم محمد عبدالله كتبي فهو من مواليد الهند في زمن الاستعمار الانجليزي وقبل تقسيمها إلى باكستان والهند وسيلان. وولد – يرحمه الله – في بلد (سلطان بور) وذلك في شهر صفر من عام 1275هـ. التابعة في الوقت الحاضر للحكومة الهندية. ولوجود القلاقل والمصادمات بين المسلمين والهنود وعدم استقرار الأمن آنذاك. فقد سمح له والده (عبدالله) بالسفر من الهند لطلب العلم والمعرفة وأن ينهل من العلوم واللغة العربية، ودراسة أصول الفقه للتمشي بالكتاب والسنة من البلدان العربية. وصفه: الشيخ محمد نور كتبي – يرحمه الله – متوسط القامة، أسمر اللون، واسع العينين، نحيل الجس...