بقلم: د.م/ جميل زهير كتبي
ساهمت الطفرة التكنولوجية والتقنية في عمل
ثورة في أسواق العمل حول العالم، فأصبح الشرق متصل بالغرب ولا توجد أي فوارق زمنية
بينهما. كما ساهمت تلك الطفرة في نشوء أساليب عمل جديدة أدت لتوسع وتنوع فرص العمل
للجنسين وخصوصا للمرأة، فكثير من النساء يعانين من الحصول على فرص وظيفية نتيجة إلتزاماتهم
العائلية والأسرية بالإضافة إلى وجود بعض الترسبات الثقافات السلبية خصوصا في العالم
العربي والتي أثرت ومازالت تؤثر على خروج المرأة لسوق العمل بكل أريحية وقوة. ولكن
اليوم أختلفت المعادلة وتغيرت فأصبح بمقدور المرأة العمل من منزلها بكل مرونة وتحكم
فدخلت لعالم المال والأعمال وأصبحت منافسا شرسا للرجال وذلك بفضل وسائل التواصل الإجتماعي
التي كونت منصة خصبة ورائعة لهن.
باتت المنافسة بعد هذا التحول الكبير في
الأسواق تتبلور حول من تملك التركيز والإنتاجية والفاعلية العالية لتستمر في هذا السوق
المفتوح والرأسمالي والذي لا يرحم الضعيفة أو الغير محترفة. فلاحظنا نشوء الكثير من
المشاريع النسائية الرائدة والمبدعة على مختلف المنصات ولكن القليل منها من يقوى على
البقاء والنمو وتحقيق الأرباح والسمعة الطيبة. فالعمل عن بُعد يعتبر فرصة ذهبية كون
التكاليف التشغيلية تعتبر منخفضة جدا أو شبه معدومة مقارنة بالمشاريع التقليدية مما
جعلها جاذبة لكثير من النساء اللاتي قررن ترك أعمالهن المكتبية التقليدية والتحول للعمل
الخاص والمشاريع المنزلية.
بالإضافة لذلك نجد أن الكثير من الشركات
أصبحت تعطي الموظفات فرصة العمل من المنزل، ففي دراسة بجامعة ستانفورد الأمريكية وجد
الباحثون أن إنتاجية من يعمل بالمنزل أعلى بنسبة ١٣٪ مقارنة يمن يعملون داخل مبنى الشركة. فالعمل عن بُعد يعطي المرأة
الحرية المطلقة والتحكم الكامل بجدولها اليومي، بالإضافة لمرونة ساعات العمل والتي
هيأت لها مناخاً مناسباً للقيام بأي مهام جانبية تخص أسرتها أو أطفالها، ولا ننسى الشعور
بالراحة والإطمئنان داخل بيئة المنزل فأمست المرأة سعيدة بالعمل من داخل مملكتها.
وبالرغم من كل المميزات التي يوفرها العمل من المنزل
إلا أن هناك عدة ملاحظات يجب إدراكها ومعرفة كيفية التعامل معها كي تقوى المرأة على
إنتاج منتجات/ خدمات بجودة عالية بكل فاعلية. أولاً لابد أن تعلم المرأة بأن عدم وجود
رقابة أو إشراف عليها خلال عملها من المنزل قد يؤدي في بعض الحالات لنتائج سلبية خصوصا
إذا فقدت التنظيم والجدية داخل منزلها. لذلك ينصح المختصون بوضع جدول وهيكل يحكم عملها
المنزلي بحيث تقوم الموظفة بالإلتزام به وجعله عادة يومية لا تؤثر عليها المؤثرات الخارجية
مثل المحادثات الهاتفية أو التلفاز وما إلى ذلك. كما يجب وضع أهداف واضحة وجلية في
بداية كل يوم يتم إنجازها والإلتزام بها فيصبح الأداء منتظما وقويًّا.
من المخاطرة الأخرى أيضا أن يصبح البيت
هو العمل والعمل هو البيت فتصاب المرأة بالملل والإحباط من بيئة المنزل، ولذلك يقترح
الخبراء وضح حاجز واضح وجلي يفصل بين مكان العمل ومكان العائلة فلا تختلط البيئتين
معا. يتم ذلك عبر تخصيص مكان لإنجاز العمل داخل المنزل بحيث تكون هذه المساحة محرمة
على أفراد العائلة وعند الخروج من هذه المساحة تنتهي علاقتة المرأة بالعمل ومهامة وهمومه.
فعندما تكون المرأة في هذه الدائرة فهي الموظفة وعند خروجها منها تصبح ربة المنزل وأم
الأبناء والزوجة وبذلك لن يؤثر العمل على مهام المنزل والعكس صحيح.
كما أن العمل من المنزل قد يغري بعض النساء
للعمل لساعات طويلة في محاولة منها لإثبات إنتاجيتها وفاعليتها وفي حقيقة الأمر أن
العمل لساعات طويلة قد يفقد الموظفة تركيزها مما يؤدي لإنخفاض الجودة ومشاكل في جودة
منتجاتها أو خدماتها. ولذلك يجب عليها أخذ فترات راحة خلال عملها تقوم فيها بأي نشاط
تستمتع به يبعدها عن التفكير في العمل مثل قراءة كتاب/ مجلة فتعطي دماغها فترة نقاهة
وراحة لتعود للعمل نشيطة وحاضرة البديهة والتركيز. وجد بعض الباحثون أن أفضل عادات
العمل عند الموظفين المنتجين هي العمل لمدة ٥٢ دقيقة متواصلة وبعدها أخذ فترة راحة
ونقاهة لمدة ١٧ دقيقة وهكذا تستمر الحلقة. فالدماغ مثل أي عضلة في جسم الإنسان إذا
ما أرهقته تمزق وأُجهِد فيفقد قدرته على العمل.
في بعض
الحالات نجد أن المرأة التي تعمل من المنزل لمدة طويلة في حياتها العملية قد تصاب بالعزلة
والإحباط مما يؤدي لإنطفاء شعلة التحفيز بداخلها وهذه من أخطر العيوب، لذلك يجب على
المرأة أن تبقي خيوط التواصل مع العالم الخارجي وتحاول لقاء عملائها وعميلاتها وجها
لوجه خارج المنزل كي لا تفقد مهارتها على التواصل مع الجمهور. كما يُنصح بالتواصل الدائم
مع المنظمات والشركات الأخرى في إختصاصها كي تواكب إحتياجات السوق ومتغيراته فتستمر
في الوفاء بتطلعات العملاء وإحتياجاتهم الحقيقية.
وأخيراً يجب على العاملة أن تقوم بتحفيز
ذاتها عبر مكافئة نفسها في نهاية اليوم، فمن الجيد أن تستحضر ما قامت بإنجازه بكل جودة
وفاعلية بدلا من التفكير في الأمور التي لم تُنجز بعد. فبعض النساء يقمن بكتابة ما
تم إنجازه في نهاية اليوم وتدوينه في مفكرة صغيرة، وبذلك يمكنها ملاحظة ومعرفة حجم
ما تم عملة وتحقيقه فتكافئ نفسها بوجبة صحية ولذية أو بقطعة حلوى أو بكتاب أو رواية
جديدة تنسيها العمل وهمومه.
في الختام أتمنى من المجتمعات العربية دعم
المرأة سواء كانت تعمل داخل الشركة أو عن بُعد، كما أود أن يقوم المستثمرين وأرباب
العمل بوضع ثقتهم في ثورة عمل المرأة عن بُعد وتوفير كل الإمكانيات لها فتصبح مرأة
مستقلة وتساهم في بناء إقتصاد بلدها
Comments
Post a Comment